الجنرال ريتشارد بارونز: أموال ألمانيا وأفكار بريطانيا الوصفة الفعالة لعلاج ضعف القدرات الدفاعية في أوروبا
21.11.2025, 11:30
لندن 21 نوفمبر/ تشرين الثاني (د ب أ)- منذ وصول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى السلطة في ولايته الأولى عام 2017، سيطرت حالة من القلق على الدول الأوروبية بسبب حديثه المتكرر عن ضرورة تخفف الولايات المتحدة من أعباء الدفاع عن قارة أوروبا في إطار حلف شمال الأطلسي.
وتجددت المخاوف مع عودته إلى البيت الأبيض في يناير/كانون الثاني الماضي، مما دفع الدول الكبرى في أوروبا إلى إعادة النظر في استراتيجياتها الدفاعية استعدادا لانكماش مظلة الحماية الأمريكية، بالتزامن مع تصاعد النزعة العدوانية لروسيا تجاه الغرب منذ غزوها لأوكرانيا في أواخر فبراير/شباط 2022.
وفي تحليل نشره موقع المعهد الملكي للشؤون الدولية البريطاني(تشاتام هاوس) قال الجنرال سير ريتشارد بارنسون الزميل الاستشاري لبرنامج الأمن الدولي في المعهد إن بريطانيا تواجه صعوبة في تنفيذ بنود المراجعة الاستراتيجية للدفاع للعام الحالي، حيث حددت المراجعة عمق واتساع التحول اللازمين لإحداث أكبر تغيير في كيفية تصميم وبناء وتشغيل القوات المسلحة منذ أكثر من ١٠٠ عام. في المقابل فإن نفص التمويل وحاجة بريطانيا إلى وقت أطول لتوفير التمويل يعرقل تنفيذ الإجراءات المطلوبة لمواجهة المخاطر التي حددتها مراجعة الدفاع الاستراتيجية.
في الوقت نفسه، تبذل ألمانيا صاحبة أكبر اقتصاد في أوروبا جهودا مضنية لتصبح القوة العسكرية التقليدية الأبرز في أوروبا خلال السنوات الخمس المقبلة، لكنها مازالت أقل من الطموح الجذري للقدرات العسكرية الذي تسعى إليه بريطانيا. ولذلك يمكن للبلدين معا تحقيق نتائج أفضل على صعيد تعزيز القدرات العسكرية لأوروبا ككل.
وحددت المراجعة الاستراتيجية للدفاع البريطانية مطلبين، كانا دائما متعارضين. الأول مطلب للردع، وإذا لزم الأمر، القتال في ظل الواقع الاستراتيجي الجديد. والثاني هو تحديد ما يمكن القيام به لتحقيق هذه النتيجة ضمن إطار مالي لعشر سنوات.
وعكس هذا الإطار المالي الظروف المالية الصعبة للغاية التي تعاني منها بريطانيا، في ظل نمو اقتصادي شبه معدوم، وقطاع عام يواجه تحديات كبيرة، وقيود صارمة على إمكانية زيادة الضرائب والاقتراض الحكومي.
ويعني هذا أنه في حين أنه من المفترض وصول القدرات الدفاعية البريطانية إلى المستويات المطلوبة عموما خلال 10 سنوات، فإنها واجهت صعوبات بالغة في المضي قدما خلال العامين الماضيين بسبب نقص التمويل. في الوقت نفسه يعتقد العديد من شركاء بريطانيا في حلف الناتو بحاجة الحلف إلى تحقيق تقدم ملموس خلال من ثلاث إلى خمس سنوات، وليس عشر سنوات، وهو ما يعني أن بريطانيا تخطط بطموح ودقة لتطوير القدرات الدفاعية لكنها تستغرق ضعف الوقت المتاح لها.
ويفسر هذا التناقض، بين الاحتياجات الدفاعية الملحة والقيود المفروضة على الإنفاق العام السريع، جزئيًا ما يبدو أنه كان صعبا للغاية خلال الأشهر الستة الأولى لتطبيق المراجعة الاستراتيجية للدفاع.
فعدم توافر أموال إضافية خلال العامين الأولين يعني ضرورة إيجاد إدخارات وتخفيضات إنفاق قصيرة الأجل. كما أن الآثار المجمعة للتضخم، وتقلبات أسعار الصرف، وأوجه القصور في تنفيذ البرامج، وإعادة تقدير تكلفة التوصيات الواردة في خطة الاستثمار الدفاعي العشرية، تثير بعض القلق. ربما يتطلب الأمر توفير ملياري جنيه إسترليني سنويا لتحقيق توازن الحسابات. وهذا يعني تقليص النفقات في مجالات مثل التدريب والأنشطة الروتينية والصيانة. كما يعني أيضا عدم توفر الكثير من الأموال للمتطلبات الجديدة المحددة في المراجعة الاستراتيجية للدفاع.
في الوقت نفسه استغرق الأمر ستة أشهر منذ نشر وثيقة المراجعة الاستراتيجية للدفاع لإتمام تعيين الأمين الدائم لوزارة الدفاع، ورئيس أركان الدفاع، ومدير التسليح الوطني - لينضموا إلى مدير المؤسسة النووية البريطانية للقيام بأدوار رئيسية لدفع تنفيذ بنود المراجعة.
وبدون وجود هذه القيادة العليا الجديدة، كان هناك مجال للمماطلة والتعتيم والتهرب من قبل أولئك الذين يقاومون تغييرات إعادة الهيكلة الكبيرة التي تدعو إليها وثيقة المراجعة ، ومنها نموذج جديد لوزارة الخارجية، ومقر القيادة الاستراتيجية العسكرية، ومجموعة مديري التسليح الوطني. إذا تُركت إصلاحات وثيقة المراجعة الاستراتيجية المطلوبة بشدة دون ضغوط لتنفيذها فقد يتم خنقها حتى الموت بسبب الجمود المؤسسي ، كما حدث في محاولات سابقة لتحديث أو إعادة هيكلة القدرات الدفاعية البريطانية، على حد قول الجنرال سير ريتشارد بارونز قائد القيادة المشتركة البريطانية خلال الفترة من 2013 إلى 2016.
في المقابل، ستنفق ألمانيا مبالغ طائلة على قواتها المسلحة خلال نفس الفترة الزمنية الممتدة لعشر سنوات، مما يعني أنها ستتفوق بسرعة على كل من بريطانيا وفرنسا في الإنفاق الدفاعي.
وقد تعهد المستشار الألماني فريدريش ميرتس في 25 مايو/أيار بأن يصبح الجيش الألماني "أقوى جيش تقليدي في أوروبا".
ومن المتوقع إنفاق ألمانيا 5ر3% من الناتج المحلي الإجمالي على الدفاع بحلول عام 2029، أي ما يعادل 162 مليار يورو سنويا، بما في ذلك الدعم المقدم لأوكرانيا. كما تخطط لإنفاق 649 مليار يورو على مدى السنوات الخمس المقبلة، منها 400 مليار يورو سيتم تمويلها من خلال الاقتراض الحكومي بعد التعديل الدستوري الذي خفف القيود الصارمة على الاقتراض الحكومي في ألمانيا.
وكشفت قائمة مشتريات ألمانية مسربة من 39 صفحة عن خطة لشراء معدات بقيمة 377 مليار يورو في جميع المجالات سيتم تفصيلها في ميزانية 2026. هذا الحجم والوتيرة الطموحة يجذبان بالفعل الصناعات والاستثمارات العسكرية إلى ألمانيا بعيدا عن الفرص الأقل بكثير المتاحة في بريطانيا وفرنسا، حيث لا تزال الشركات الوطنية الكبرى، مثل بي إيه إي سيستمز، تهيمن على الأعمال الأساسية.
وأخيرا يرى بارونز أن بريطانيا لديها أفكار تطوير طموحة وحديثة تجد صعوبة في تحمل تكلفتها، بينما لدى ألمانيا خطط إنفاق ضخمة، لكن تفكيرها قد يكون قديما وتجاوزه الزمن، لذلك سيتضرر الدفاع الأوروبي إذا واجهت بريطانيا صعوبة في تحمل تكلفة تحولها العسكري، بينما تنفق ألمانيا بسرعة مبالغ طائلة على معدات سرعان ما ستصبح قديمة الطراز.
لذلك سيكون من الأفضل للردع الأوروبي الجمع بين التفكير البريطاني والقدرة المالية الألمانية لبناء منظومة دفاعية فعالة في أوروبا. ومع الاستخدام الذكي لرأس المال والشراكات الصناعية الجديدة، قد يكون من الممكن إيجاد سبل لتحسين أداء المراجعة الاستراتيجية للدفاع في برطانيا، من خلال شراكة أقوى بكثير مع ألمانيا.